حارة البشرية قديماً

حارة البشرية قديماً

البشرية.. ذلك الحي الذي كان بأسَرِه التي كانت .. كانوا أسرة متعايشة ولكنهم كانوا في حي واحد:-

أخذ أبو سالم مكانه أمام منزله الذي كان أحد سبعة بيوت بدأت في الظهور في ذلك الحي الجديد، كان يضع “البرسيم” أمام “غنماته” مع بداية غروب الشمس.. عندما مرت من أمامه – خالة – فاطمة التي انحنت لتأخذ – حذائها – في يدها، وهي تتخطاه.. أنها لا تستطيع أن تمر من أمامه وحذائها في قدميها. مساك الله بالخير.. قالتها بكل وضوح رد عليها دون أن يرفع نظره إليها.. كيف أبو صالح ما شفته اليوم. إنه بعافية. سلامات سوف أكون عنده بعد أن اصلي المغرب إن شاء الله. كانت حركة السكان في ذلك الحي بسيطة لقلة سكانه.. وهم القادمون من تلك “الأحواش” التي كانت قد أزيلت ضمن فتح الشارع الذي اخترق ذلك الحي الممتد لستة أحواش متتابعة بعد تلك الاشكالات الشهيرة.*

كان – حامد – يقيم داره أمام – بيت – أبو سالم يجتمع عصر كل يوم خميس عنده جمع من أصدقائه ليساعدوه في بناء داره.. فهذا – قراري – يقوم بتهذيب تلك الحجارة الصماء.. وهذا بناء في يده ذلك الميزان ليزن ذلك الحجر الذي يطلق عليه “الدستور”، أما ذلك العامل الذي يقوم بجمع – شقف – الحجارة ليرصع بها بين حجارة الجدارة في عملية يسمونها “التشريس”، كان صوتهم يتعالى في أهازيج تشحنهم.. يالله نملي مويه من بير الشيخ قوية. وبير الشيخ هذه تبعد عنهم بعض الكيلوات، لكنهم اعتادوا على التنفيس بها.*

هذا يوم الجمعة يجتمعون بعد أن اتوا من جميع الأحياء في الأرض البيضاء ليزاولوا لعبة “التزقير” في عنفوان الشباب لتمضي بهم الأيام.. حتى بدأت البيوت تتكاثر، ويصبح حي – البشرية – حياً مليئاً بأولئك الذين باتوا كأسرة واحدة.. يلفهم رابط من الاخوة.. فهذه خالة – نوير – تطل برأسها من نافذة بيتها ناهية بعض الأطفال من البعد عن طريق السيارات لتخرج الى دكان – أبو عطية – تتناول منه بعض ما ينقصها من مستلزمات البيت.*

كان زوج خالة نوير ذلك الرجل الوقور يقول لجارتهم ارضعي ابنة اختك المولودة لتوها مع ابنك.. كان يقصد أن يكون هناك حاجزاً شرعياً للعيش في بيت واحد.. مع صيرورة الأيام، كان رجلاً حكيماً وواعياً.. وتقياً لا يترك الأمور تسير هكذا حسب .. مجراها المعتاد.إنه ذلك الرجل.. الوقور.*

كانت – رقية – تناول جارتها أم مصطفى قليلاً من ملح وحبات بصل وتوم في بساطة تدل على مدى ذلك الترابط بين – الجيران – لا تستنكف من الطلب، ولا رقية تحتقر طلبها.. في تلك الضحوية يجتمعن عند أحداهن ملتفات حول.. براد الشاي كانت أم سالم تحمل معها بعضاً من الفطير الذي بقي مما خبزته للفطور.. واتت فاطمة معها “ببكرج” الحليب.. ليسقوا به ذلك الفطير..*

في الليل رجال الحي يجتمعون عند منزل أحدهم يلعبون البلوت، وصوت طبول – عمال النظافة الذين يسكنون في تلك العشش بجوار البقيع والأرض ترتج تحت أقدامهم حتى اخر الليل.. في الطرف الآخر كانت هناك بعض الخيام يسكنها بعض المجاورين يشكلون مظهراً أخوياً عندما يلتقون حول – أنابيب – الماء ليملأون أوانيهم.. كل ذلك يتم تحت نظر ذلك الرجل الكبير الذي يتابع كل هذا من شباك منزله العالي في رضا منه..*

في مدخل الحي.. كان هناك – بيت ابو الحجر – الذي تروى حوله بعض الحكايات والأساطير حيث يُسكنه بعض الأشباح..
كانت خالة نوير.. بحكمتها تدير شؤون كل ما تحتاج اليه نسوة الحي من احتياجات منبهة اياهم ومحذرة من الوصول الى البيت الحجر.

ذات يوم ارتفع صوت – البكاء – والنحيب لقد رحلت خالة نوير.. ليعيش “الحي” ذلك الحزن الذي خيم على كل من فيه، لقد انطفأت تلك “الشمعة”.

لتمضي الأيام ويتوسع الحي، ويتكاثر ساكنوه، ومع توالي الأيام والسنون.. يتفرق أولئك الذين ارتبطوا بحبال الود.. والمحبة ليفاجأ البقية الباقية فيه بآلات الهدم تغرس فوهاتها في جدران بيوته لتحيلها الى اثر بعد عين آخذة معها كل ذكرياتهم.. ليذهب ذلك الحي الذي تصالحوا على تسميته “بالبشرية” على نسق – المشرفية – والداودية، لقد ذهب حي ا لبشرية الى النسيان بعد أن كان ملئ الخاطر والوجدان.

أ/علي محمد حسون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *